فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{يا أيها الذين آمَنُواْ مَا لَكُمْ} الآية. فيها حثٌّ من الله سبحانه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غزوة تبوك، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم، وذلك في زمان عسرة من الناس وجدب من البلاد وشدة من الحر حين فأحرقت النخل وطابت الثمار وعظم على الناس غزوة الروم، وأحبّوا الظلال والمقام في المسكن والمال، فشقّ عليهم الخروج إلى القتال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلَّ ماخرج في غزوة الاّ كنّى عنها وورّى بغيرها إلا غزوة تبوك لبُعد شقتها وكثرة العدو ليتأهب الناس وأمرهم بالجهاد، وأخبرهم بالذي يريد، فلمّا علم الله تثاقل الناس، انزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم} أي شيء أمركم {إِذَا قِيلَ لَكُمُ} إذا قال لكم رسول الله: {انفروا} اخرجوا {فِي سَبِيلِ الله} وأصل النفر مفارقة مكان إلى مكان آخر لأمر هاج على ذلك، فقالت نفر فلان إلى ثغر كذا، ينفر نفرًا ونفورًا، ومنه نفور الدابة ونفارها {اثاقلتم} تباطأتم.
قال المبرّد: أخلدْتم {إِلَى الأرض} ومعناه: لزمتم أرضكم ومساكنكم، وأصله تثاقلتم فأُدغمت التاء في الثاء وأخرجت لها الف يوصل إلى الكلام بها حين الابتداء بها، كقوله: {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا} [الأعراف: 38] وقالوا: اطّيرنا وأرجفت، العلاء والكسائي.
تولى الضجيج إذا ما اشتاقها خضرا ** عذب المذاق إذا ما اتابع القبل

أي إذا تتابع.
{أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة} أي أرضيتم الدنيا ودِعتها عوضًا من نعيم الآخرة وثوابها {فَمَا مَتَاعُ الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ قَلِيلٌ} ثم أوعدهم على ترك الجهاد. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلتُمْ إِلَى الأَرْضِ}
قال الحسن ومجاهد: دُعوا إلى غزوة تبوك فتثاقلوا فنزل ذلك فيهم.
وفي قوله: {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} ثلاثة أوجه:
أحدها: إلى الإقامة بأرضكم ووطنكم.
والثاني: إلى الأرض حين أخرجت الثمر والزرع.
قال مجاهد: دعوا إلى ذلك أيام إدراك النخل ومحبة القعود في الظل.
الثالث: اطمأننتم إلى الدنيا، فسماها أرضًا لأنها فيها، وهذا قول الضحاك.
وقد بينه قوله تعالى: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الأَخَرَةِ} يعني بمنافع الدنيا بدلًا من ثواب الآخرة.
والفرق بين الرضا والإرادة أن الرضا لما مضى، والإرادة لما يأتي.
{فَمَا مَتَاعُ الَْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الأخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} لانقطاع هذا ودوام ذاك. اهـ.

.قال ابن عطية:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
هذه الآية هي بلا اختلاف نازلة عتابًا على تخلف من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام غزا فيها الروم في عشرين ألفًا بين راكب وراجل، وتخلف عنه قبائل من الناس ورجال من المؤمنين كثير ومنافقون فالعتاب في هذه الآية هو للقبائل وللمؤمنين الذين كانوا بالمدينة، وخص الثلاثة كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية بذلك التذنيب الشديد بحسب مكانهم من الصحبة إذ هم من أهل بدر وممن يقتدى بهم، وكان تخلفهم لغير علة حسب ما يأتي، وقوله: {ما لكم} استفهام بمعنى التقرير والتوبيخ، وقوله: {قيل} يريد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن صرفه الفعل لا يسمى فاعلة يقتضي إغلاظًا ومخاشنة ما، والنفر هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث، يقال في ابن آدم نفر إلى الأمر ينفر نفيرًا ونفرًا، ويقال في الدابة نفرت تنفرُ بضم الفاء نفورًا، وقوله: {اثاقلتم} أصله تثاقلتم أدغمت التاء في الثاء فاحتيج إلى ألف الوصل كما قال: {فادارأتم} وكما تقول ازين، وكما قال الشاعر [الكسائي]: [البسيط]
تولي الضجيع إذا ما استافها خصرًا ** عذب المذاق إذا ما اتّابَع القبل

وقرأ الأعمش فيما حكى المهدوي وغيره {تثاقلتم} على الأصل، وذكرها أبو حاتم {تتثاقلتم} بتاءين ثم ثاء مثلثة، وقال هي خطأ أو غلط، وصوب {تثاقلتم} بتاء واحدة وثاء مثلثة أن لو قرئ بها، وقوله: {اثاقلتم إلى الأرض} عبارة عن تخلفهم ونكولهم وتركهم الغزو لسكنى ديارهم والتزام نخلهم وظلالهم، وهو نحو من أخلد إلى الأرض، وقوله: {أرضيتم} تقرير يقول أرضيتم نزر الدنيا على خطير الآخرة وحظها الأسعد، ثم أخبر فقال إن الدنيا بالإضافة إلى الآخرة قليل نزر، فتعطي قوة الكلام التعجب من ضلال من يرضى النزر بدل الكثير الباقي. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}
قوله تعالى: {مالكم إذا قيل لكم انفروا} قال المفسرون: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك، وكان في زمن عسرة وجدب وحرٍّ شديد، وقد طابت الثمار، عَظُمَ ذلك على الناس وأحبوا المُقام، فنزلت هذه الآية.
وقوله: {ما لكم} استفهام معناه التوبيخ.
وقوله: {انفروا} معناه: اخرجوا.
وأصل النفر: مفارقة مكان إلى مكان آخر لأمر هاج إلى ذلك.
وقوله: {اثَّاقلتم} قال ابن قتيبة: أراد: تثاقلتم، فأدغم التاء في الثاء، وأحدثت الألف ليسكن ما بعدها، وأراد: قعدتم.
وفي قراءة ابن مسعود، والأعمش، {تثاقلتم}.
وفي معنى {إلى الأرض} ثلاثة أقوال:
أحدها: تثاقلتم إلى شهوات الدنيا حين أخرجت الأرض ثمرها، قاله مجاهد.
والثاني: اطمأننتم إلى الدنيا، قاله الضحاك.
والثالث: تثاقلتم إلى الإقامة بأرضكم، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {أرضيتم بالحياة الدنيا} أي: بنعيمها من نعيم الآخرة، فما يُتمتَّع به في الدنيا قليل بالإضافة إلى ما يَتمتَّع به الأولياء في الجنة. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}
فيه مسألتان:
الأُولى قوله تعالى: {مَا لَكُمْ} {ما} حرف استفهام معناه التقرير والتوبيخ؛ التقدير: أي شيء يمنعكم عن كذا؛ كما تقول: مالك عن فلان مُعْرِضًا.
ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتابًا على تخلُّف من تخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام، وسيأتي ذكرها في آخر السورة إن شاء الله.
والنَّفْر: هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث؛ يقال في ابن آدم: نفَر إلى الأمر يَنْفِر نفورًا.
وقوم نفور؛ ومنه قوله تعالى: {وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46].
ويقال في الدابة: نَفَرت تَنْفِرُ (بضم الفاء وكسرها) نفارًا ونفورًا.
يقال: في الدابة نِفار، وهو اسم مثل الحِران.
ونفر الحاج من مِنًى نَفْرًا.
الثانية قوله تعالى: {اثاقلتم إِلَى الأرض} قال المفسرون: معناه اثاقلتم إلى نعيم الأرض، أو إلى الإقامة بالأرض.
وهو توبيخ على ترك الجهاد وعتابٌ على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وهو نحو من أخلد إلى الأرض.
وأصله تثاقلتم، أدغمت التاء في الثاء لقربها منها، واحتاجت إلى ألف الوصل لتصل إلى النطق بالساكن؛ ومثله {ادّارَكُوا} و{ادارأتم} و{اطيرنا} و{ازينت}.
وأنشد الكسائي:
تُولِي الضَّجيعَ إذا ما استافها خَصِرًا ** عَذبَ المَذاق إذا ما اتابع القُبَلُ

وقرأ الأعمش {تَثَاقَلْتُمْ} على الأصل.
حكاه المهدويّ.
وكانت تبوك ودعا الناس إليها في حرارة القَيْظ وطيب الثمار وبرد الظلال كما جاء في الحديث الصحيح على ما يأتي فاستولى على الناس الكسل، فتقاعدوا وتثاقلوا؛ فوبّخهم الله بقوله هذا، وغاب عليهم الإيثار للدنيا على الآخرة.
ومعنى {أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة} أي بدلًا؛ التقدير: أرضيتم بنعيم الدنيا بدلًا من نعيم الآخرة.
فمِن تتضمن معنى البدل؛ كقوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] أي بدلًا منكم.
وقال الشاعر:
فليت لنا من ماء زمزم شربةً ** مُبرّدة باتت على طَهيَان

ويروى من ماء حَمْنان.
أراد: ليت لنا بدلًا من ماء زمزم شربة مبرَّدة.
والطَّهيَان: عود ينصب في ناحية الدار للهواء، يعلّق عليه الماء حتى يَبْرُد.
عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة؛ إذ لا تنال راحة الآخرة إلاَّ بنصَب الدنيا.
قال صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد طافت راكبة: «أجْرُك على قدر نَصَبِك» خرجه البخاريّ. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}
نزلت هذه الآية في الحث على غزوة تبوك وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف أمر بالجهاد لغزو الروم وكان ذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر حين طابت الظلال ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفاوز وعددًا كثيرًا وجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم فشق عليهم الخروج وتثاقلوا فأنزل الله هذه الآية يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذ قيل لكم يعني قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: انفروا في سبيل الله، أي اخرجوا إلى الجهاد.
يقال: استنفر الإمام الناس إذا حثهم على الخروج إلى الجهاد ودعاهم إليه ومنه قوله صلى لله عليه وسلم: «وإذا استنفرتم فانفروا».
والإثم النفير اثاقلتم أي تثاقلتم وتباطأتم عن الخروج إلى الغزو إلى الأرض يعني لزمتم أرضكم ومساكنكم وإذنما استثقل ذلك الغزو لشدة الزمان وضيق الوقت وشدة الحر وبعد المسافة والحاجة إلى كثرة الاستعداد من العدد والزاد وكان ذلك الوقت وقت إدراك ثمار المدينة وطيب ظلالها وكان العدو كثيرًا فاستثقل الناس تلك الغزوة فعاتبهم الله تعالى بقوله: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} يعني أرضيتم بخفض العيش وزهرة الدنيا ودعتها من نعيم الآخرة {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} يعني أن لذات الدنيا ونعيمها فان زائل ينفد عن قليل ونعيم الآخرة باق على الأبد فلهذا السبب كان متاع الدنيا قليلًا بالنسبة إلى نعيم الآخرة وفي الآية دليل على وجوب الجهاد في كل حال وفي كل وقت لأن الله سبحانه وتعالى نص على أن تثاقلهم عن الجهاد أمر منكر فلو لم يكن الجهاد واجبًا لما عاتبهم على ذلك التثاقل ويؤكد هذا الوعيد المذكور الآية الآتية وهي قوله تعالى: {إلا تنفروا}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض}
لما أمر الله رسوله بغزاة تبوك، وكان زمان جدب وحر شديد وقد طابت الثمار، عظم ذلك على الناس وأحبوا المقام، نزلت عتابًا على من تخلف عن هذه الغزوة، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام، غزا فيها الروم في عشرين ألفًا من راكب وراجل، وتخلف عنه قبائل من الناس ورجال من المؤمنين كثير ومنافقون.
وخص الثلاثة بالعتاب الشديد بحسب مكانهم من الصحبة، إذ هم من أهل بدر وممن يقتدى بهم، وكان تخلفهم لغير علة حسبما يأتي إن شاء الله تعالى.
ولما شرح معاتب الكفار رغب في مقابلتهم.
وما لكم استفهام معناه الإنكار والتقريع، وبني قيل للمفعول، والقائل هو الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر إغلاظًا ومخاشنة لهم وصونًا لذكره.
إذ أخلد إلى الهوينا والدعة: من أخلد وخالف أمره صلى الله عليه وسلم.
وقرأ الأعمش: تثاقلتم وهو أصل قراءة الجمهور اثاقلتم، وهو ماض بمعنى المضارع، وهو في موضع الحال، وهو عامل في إذ أي: ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم انفروا.
وقال أبو البقاء: الماضي هنا بمعنى المضارع أي: ما لكم تتثاقلون، وموضعه نصب.
أي: أيُّ شيء لكم في التثاقل، أو في موضع جر على مذهب الخليل انتهى.
وهذا ليس بجيد، لأنه يلزم منه حذف أنْ، لأنه لا ينسبك مصدر إلا من حرف مصدري والفعل، وحذف أنْ في نحو هذا قليل جدًا أو ضرورة.
وإذا كان التقدير في التثاقل فلا يمكن عمله في إذا، لأن معمول المصدر الموصول لا يتقدم عليه فيكون الناصب لإذا، والمتعلق به في التثاقل ما هو معلوم لكم الواقع خبرًا لما.
وقرئ: اثاقلتم على الاستفهام الذي معناه الإنكار والتوبيخ، ولا يمكن أن يعمل في إذ ما بعد حرف الاستفهام.
فقال الزمخشري: يعمل فيه ما دل عليه، أو ما في ما لكم من معنى الفعل، كأنه قال: ما تصنعون إذا قيل لكم، كما تعمله في الحال إذا قلت: ما لك قائمًا.
والأظهر أن يكون التقدير: ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم انفروا، وحذف لدلالة اثاقلتم عليه.
ومعنى اثاقلتم إلى الأرض: ملتم إلى شهوات الدنيا حين أخرجت الأرض ثمارها قاله مجاهد وكرهتم مشاق السفر.
وقيل ملتم إلى الإقامة بأرضكم قاله: الزجاج.
ولما ضمن معنى الميل والإخلاد عدى بإلى.
وفي قوله: {أرضيتم}، نوع من الإنكار والتعجب أي: أرضيتم بالنعيم العاجل في الدنيا الزائل بدل النعيم الباقي.
ومِن تظافرت أقوال المفسرين على أنها بمعنى بدل أي: بدل الآخرة كقوله: {لجعلنا منكم ملائكة} أي بدلًا، ومنه قول الشاعر:
فليت لنا من ماء زمزم شربة ** مبردة باتت على طهيان

أي بدلًا من ماء زمزم، والطهيان عود ينصب في ناحية الدار للهواء تعلق فيه أوعية الماء حتى تبرد.
وأصحابنا لا يثبتون أن تكون هنُّ للبدل.
ويتعلق في الآخرة بمحذوف التقدير: فما متاع الحياة الدنيا محسوبًا في نعيم الآخرة.
وقال الحوفي: في الآخر متعلق بقليل، وقليل خبر الابتداء.
وصلح أن يعمل في الظرف مقدمًا، لأنّ رائحة الفعل تعمل في الظرف.
ولو قلت: ما زيد عمرًا إلا يضرب، لم يجز. اهـ.